لا يكفي أن تملك جسمًا حتى تُرى، يجب أن تملك إحساسًا أيضًا.
مرحبًا يا أصدقائي، أنا "نبراس" وأُريد أن أُحدّثكم عن أفضل أصدقائي. اسمه هادي وهو لا يشبه الآخرين. إنه طفلٌ نحيلٌ بوجه صغير يكاد يختفي تحت شعره الكَثّ. وهو هادئ ودائم السكون لا يكاد يُسمع له صوت. إنه اسمٌ على مُسَمَّى، يستطيع أن يقضي الساعات الطوال في نفس المكان، لا يفعل شيئًا يُذكر.
-
هادي، حان وقت الإفطار. اغسل يدَيك وتعال.
هذا
تقريبًا كل ما يسمعه من أمه كل يوم. وعندما يجلس هادي إلى الطاولة، يقول الأب:
-
ها أنت هنا... أين كنت مختفيًا؟
أو
تسأل الأم:
-
ماذا تفعل في غرفتك منذ الصباح؟
يجيبها
هادي بصوت لا نكاد نَتَبَيَّنُ فَحْواه:
-
لا شيء.
لا
يختلف طبع هادي في المدرسة، فهو دائم الجلوس في رُكْنٍ من السَّاحة، وكنتُ دائم
النظر إليه، أراقبه في حركاته وسَكَناته. كان أصدقاؤه يطلقون عليه تسمية «الطفل
الخفيّ»، لأنه كان دائمًا ما يربح في لعبة الغمّيضة.
-
ماذا تفعل حتى لا يجدك أحد؟
-
لا شيء، أجلس وأصمت لا أكثر.
ظلّ
هادي على هذه الحال، إلى حدود ذاك اليوم، عندما رفع رأسه فجأة ليرى فتاةً جديدةً
تقتحم القسم. كانت مختلفة بمظهرها الغريب، لها ضفيرتان قصيرتان تتدلّيان على
جانبَي رأسها، وتلبس ثوبًا أزرق يطلّ من تحت المِيدَعَة الوردية، وتنتعل زوجَيْ
حذاء يصلان إلى الركبتين تقريبًا، أما عيناها فكانتا ترسلان نظرتين حادّتين. وكانت
على ذلك كله تُدعى «شمس»! لقد بدا لنا اسمًا غريبًا لشخص أكثر غرابة.
توجّهت
شمس إلى المكان الوحيد الشاغر، وكان بجانب هادي دائم الوحدة، والذي لاحظت عليه
اضطرابًا واضحًا يومها. جلست الفتاة الجديدة بجانبه دون أن تنتبه إلى وجوده رغم
حركاته الكثيرة. نظر إليها محاولاً جلب انتباهها. أَسقَطَ القلم والتقطه عشرات
المرات. تنحنح في مكانه، اقترب منها وابتعد... لا جدوى، لا جدوى. الفتاة شمس لا
تراه!
عندما
عاد هادي مساءً إلى المنزل كان حزينًا ومستاءً. وقف أمام المرآة وتأمل كل جسمه منذ
الرأس إلى ساقيه النحيلتين، مرورًا بصدره الصغير وكتفيه، بطنه وذراعيه. هل هو طفل
خفيّ حقًا كما يسميه الجميع؟ ماذا يفعل حتى يصبح مرئيًا وخصوصًا من طرف شمس؟ سألته
الأم:
-
ماذا يشغلك يا بني؟
أجاب
هادي ولأول مرة يعلو صوته:
-
لا شيء! لا شيء!
بَدَتْ
شمسٌ وكأنها تملك كل الإجابات على كل الأسئلة التي يطرحها المعلمون. وكان هادي
يكتفي بالنظر إليها بينما تكون هي تتابع الدرس أحيانًا، وتكتب أحيانًا أخرى. حَدَثَ
وأَن قال لها فجأةً:
-
أنت رائعة ولا تشبهين الآخرين.
لكن
شمسًا لم تكن لِتَنْتَبِهَ إليه، إنها مشغولة بالدرس. لَمَحَتْ حزنه الذي ارتسم
واضحًا على مُحَيّاه، وأردتُ فِعلَ شيء من أجله. ولم أجد سوى الابتسام له حين أدار
وجهه نحوي وكأنه يستجديني. فجأةً انفجر الطفل هادي بالبكاء بكل حرقة. وعلا بكاؤه
على كل الأصوات في القسم. التفتت إليه شمس محتارةً وسألته:
-
لماذا تبكي يا هادي؟
-
لأنك لا ترَينني.
-
لكني أراك الآن يا صديقي. ها إنك تبكي!
سرعان
ما فهم هادي الأمر. لا يكفي أن تملك جسمًا حتى تُرى، يجب أن تملك إحساسًا أيضًا.
ومن يومها أصبح هادي مرئيًا من طرف الجميع. إنه فَرِحٌ، ويركض هنا وهناك، ويحاول
الإجابة على كل الأسئلة تمامًا مثل شمس. كما أصبح من يومها أقرب الأصدقاء إليَّ
على الإطلاق.
المصدر: 1
إقرأ أيضاً:
قصة وحكمة: الأمير لا ينسى الإهانة
قصة وحكمة: هنري فورد ينجو من تجار اللوحات
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق