هيلا سيلاسي القائد الاثيوبي الذي وَحَّدَ البلاد بالمكر والدهاء
في منتصف عام 1920م بدأ أمراءُ الحرب الأقوياء في إثيوبيا يُدركون أن شابّاً من أصولٍ نبيلةٍ اسمُه هيلا سيلاسي، ويُدعى أيضاً راس تافاري سيتفوق عليهم جميعاً عمّا قريب، ويُعلن نفسه قائداً عليهم، ويُوَحِّد البلد لأول مرة منذ عقود.
لم
يَعرف غالبيةُ منافسي
سيلاسي كيف استطاع هذا الرجل الرقيق والهادئ أن تكون له هذه
السَّطْوَة؛ لكن في عام 1927م
استطاع سيلاسي بالفعل أن يُسيطر على أمراء الحرب
واحداً بعد آخر، وأن يدخل العاصمة أديس أبابا ويَنَالَ
تأيبدَ الجماهيرِ والقادة، وَتَمَّ تنصيبه حاكماً.
أَسرَعَ
بعضُ القادة في الإِذْعَان، وتَرَدَّدَ آخرون، لكن واحداً فقط هو الذي تَجَرَّأَ
على أن يتحدّى سيلاسي تَحَدِّياً
كاملاً وصريحاً، هذا الرجل هو ديجازماخ بالشا من
سيدامو. كان بالشا محارباً قوياً ورجلاً شديداً، ورأى
أن سيلاسي غير جدير بالحكم، وقرَّرَ
أن يبقى مُستقِّلاً وبعيداً عن العاصمة.
في
النهاية طلب سيلاسي بطريقته الرقيقة
والحازمة من بالشا أن يأتي إليه. قرَّرَ بالشا أن يُطيع، لكن كان في نِيَّتِهِ أن يَقْلِبَ الأمور على من
يراه مُنْتَحِلاً لعرش إثيوبيا: سيأتي إلى أديس أبابا
بتوقيته الخاص بِصُحْبَة 10000
مقاتل، وهي قوة لا تكفي للدفاع عنه فحسب، بل
لِبَدْءِ حربٍ أهلية. عَسْكَرَ بِقوّاته في وادٍ على بُعْدِ
ثلاثة أميال من العاصمة وانتظر كما ينتظر الملوك،
وكان على سيلاسي أن يأتي إليه.
أرسلَ
سيلاسي مبعوثين يدعون بالشا إلى مأدبة أقامها على شرف حضوره.
ولكن بالشا لم يكن ساذجاً وكان يعرف أن ملوك إثيوبيا
وقادتها كثيراً ما كانوا يستخدمون المآدب
ككمائن؛ فبمجرد أن يذهب الخمر بعقله يمكن لسيلاسي أن
يقبض عليه أو يقتله. أرسل بالشا بموافقته على حضور
المأدبة لكن بشرط أن يُحضر معه 600
رجل من أفضل الجنود لديه مسلحين ومستعدين للدفاع عنه وعن
أنفسهم. تَعَجَّبَ بالشا أن يأتي ردُّ سيلاسي
بالموافقة، وبأدبٍ شديد بأنه سيكون من الشرف له أن
يستضيف هؤلاء المحاربين.
في
الطريق شَدَّدَ بالشا على المحاربين أن لا يشربوا الخمر وأن يبقوا يَقِظين، وحين وصلوا القصر، كان سيلاسي في شرف
استقبالهم، وداهن بالشا وعامله كما لو كان في
حاجة لتأيبده وتعاونه. لكن بالشا لم يترك نفسه ينخدع
بهذا الإغواء، وحَذَّرَ سيلاسي من أن الجنود لديهم
أوامر بمهاجمة العاصمة إن لم يَعُدْ إليهم بالشا قبل منتصف
الليل. بَدَا سيلاسي كما لو كان مصدوماً من تَشَكُّكِ
بالشا بنواياه.
أثناء
المأدبة وحين أتى وقتُ عَزْفِ
الأناشيد التقليدية التي تُمَجِّدُ قادة إثيوبيا، طلب سيلاسي من الفرقة أن لا تعزف إلا الأناشيد التي تُمَجِّد
قائد سيدامو، فشعر بالشا أن سيلاسي خائف
وعاجز عن مواجهته، وأَحَسَّ بأنه هو من سيبدأ بالهجوم
في الأيام القادمة.
قبل
الغروب عاد بالشا وجنودُه إلى المعسكر وسط الهتافات وإطلاق النار للتوديع. ألقى نظرةً على العاصمة
خلفه، وأَعَدَّ خطته للهجوم، وتَخَيَّلَ جنوده يتجولون
في شوارع المدينة منتصرين، وفَكَّرَ في أن سيلاسي
سيلقى مصيره الذي يستحقه، سواء بالسجن أو الموت. لكن حين عاد بالشا إلى معسكره رأى
شيئاً مُرَوِّعاً، فلم يرَ خيام جنوده
التي كانت تغطي الأفق، لم يرَ إلا دخان ورماد نيرانٍ تنطفئ. وتساءل: أيُّ سِحرٍ
شيطاني هو الذي فعل هذا؟
روى
أحد الشهود لبالشا ما حدث، فأثناء تَوَجّه بالشا إلى المأدبة جاء جيش كبير يقوده أحد الموالين لسيلاسي، وتَسَلَّلَ
إلى المعسكر من طريقٍ لا يعرفه بالشا، لكن هذا
الجيش
لم يقاتل: فقد كان سيلاسي يعرف أنه لو سمع بالشا بضجيج المعركة لهاجم برجالة الستمائة وعاد لقيادة قواته،
بدلاً عن هذا زَوَّدَ سيلاسى جنوده بسلالٍ مملوءة بالذهب والمال، وحاصر جيش بالشا
واشترى كل قطعة سلاح من الجنود، وكان من
السهل ترهيب الذين رفضوا. في ساعات قليلة تَمَّ نَزْعُ
سلاح جنود بالشا وتشتيتهم في كل اتجاه.
مدركاً ما يحيط به من مخاطر قرَّرَ بالشا أن يتجه جنوباً بمن معه من الجنود لحشد قوات جديدة، لكن الجيش الذي نزع سلاح قواته قطع عليه الطريق، كان الاختيار الآخر الذي أمامه هو الاتجاه إلى العاصمة، لكن سيلاسي كان قد أَعَدَّ جيشاً هائلاً للدفاع عنها. لأول مرة في حياته استسلم بالشا، ومن أجل التكفير عن خطاياه من الكِبَر والجشع وافق على الالتحاق بالدير.
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة وحكمة: اِخفِ نواياك ليس بالكتمان
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق