رَحِيل
عَادَ وَالِدُ سَلْوَى إِلَى الْبَيْت، فَأَخْبَرَ الأُسْرَةَ بِأَنَّ ظُرُوفَ عَمَلِهِ قَدْ فَرَضَتْ عَلَيْهِ الاِنْتِقَالَ لِلْعَمَلِ فِي مَدِينَةٍ أُخْرَى، وَأَنَّهُ سَوْفَ يُسَافِرُ فِي الْغَدِ إِلَى تِلْكَ الْمَدِينَةِ لِلْبَحْثِ عَنْ سَكَنٍ يَلِيقُ بِالْأُسْرَة.
سَمِعَتْ
سَلْوَى الْخَبَرَ فَحَزِنَتْ لِفِرَاقِ صَدِيقَاتِهَا فِي الْحَيّ،
وَزَمِيلاَتِهَا فِي الْمَدْرَسَة، ولَمْ تَدْرِ شَيْئًا عَنِ الْمَدِينَةِ
الْجَدِيدَةِ الَّتِي سَوْفَ تَذْهَبُ الأُسْرَةُ لِلْإِقَامَةِ فِيهَا.
نَظَرَتْ
إِلَى قِطِّهَا أَنِيسٍ فَكَانَ يَرْكُنُ إِلَى زَاوِيَّةٍ وَهُوَ لاَ يَلْطَعُ
جِلْدَهُ وَلاَ يُحَرِّكُ بِذَيْلِهِ، وَكَأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مَا قَالَهُ
وَالِدُ سَلْوَى عَنْ رَحِيلِهِم، فَلَمْ يُطِقْ أَنْ يُفَارِقَ الْمَكَانَ
الَّذِي عَاشَ فِيهِ مَعَ الْأُسْرَة، وَرُبَّمَا كَانَ يَخَافُ أَلا َّ
يَأْخُذُوهُ مَعَهُمْ إِلَى مَقَرِّ إِقَامَتِهُمُ الْجَدِيد.
تَطَلَّعَتْ
سَلْوَى إِلَى غُرَفِ الْبَيْت، وَقَاَعِة الْجُلُوس، ثُمَّ أَلْقَتْ نَظْرَةً
عَلَى الْغُرْفَةِ الَّتِي تَنَامُ فِيهَا هِيَ وَأَخَوَاهَا الصَّغِيرَان.
كَانَتْ قَدْ أَلِفَتِ الْبَيْتَ وَمَا فِيهِ مِنْ غُرَفٍ وَأَثَاث، وَخَاصَّةً
غُرْفَةَ نَوْمِهَا، وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ مِنْ أَفْرِشَةٍ وَمَكْتَبٍ صَغِيرٍ
وَرُفُوفٍ وَضَعَتْ عَلَيْهَا الْكُتُبَ وَالدَّفَاتِر، وَدُمْيَتَها،
اَلْعَرُوسَةَ الْجَمِيلَة.
ظَلَّ
الْقِطُّ أَنِيسٌ عَلَى حَالِه، لاَ يَلْعَبُ بِكُرَتِهِ الْمَطَّاطِيَّةِ وَلاَ
يَلْطَعُ جِلْدَهُ وَلاَ يَجْلِسُ فِي مَكَانِهِ الْمُعْتَادِ مُتَابِعاً مَا
يَظْهَرُ عَلَى شَاشَةِ التِّلِفِزْيُون. وَبَقِيَ أَخَوَا سَلْوَى الصَّغِيرَان،
عَلِيٌّ وَهُوَ فِي عَامِهِ الْأَوَّل، وَبَشِيرٌ وَهُوَ فِي عَامِهِ الثَّالِث،
يَمْلأَنِ أَرْجَاءَ الْبَيْتِ حَرَكَةً وَحُبُورًا (سروراً)، وَهُمَا لاَ
يَدْرِيَانِ شَيْئًا عَنْ رَحِيلِ الْأُسْرَةِ إِلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى.
حَلَّ
اللَّيْل، وَنَظَرَتْ سَلْوَى مِنَ النَّافِذَةِ إِلَى السَّمَاءِ الْمُرَصَّعَةِ
بِالنُّجُوم، فَاقْتَرَبَتْ مِنْ أُمِّهَا وَسَأَلَتْهَا:
أُمِّي.
هَلْ تُوجَدُ مِثْلُ هَذِهِ السَّمَاءِ وَهَذِهِ النُّجُومِ فِي الْمَدِينَةِ
الَّتِي سَوْفَ نَرْحَلُ إِلَيْهَا؟
ضَحِكَتْ
أُمُّهَا وَقَالَتْ:
يَا
ابْنَتِي، السَّمَاءُ وَالنُّجُومُ تُوجَدُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي هَذَا الْعَالَم.
قَالَتْ
سَلْوَى:
وَالْبَيْتُ
الَّذِي سَوْفَ نَسْكُنُ فِيه، هَلْ سَتَكُونُ بِهِ نَافِذَةٌ نَرَى مِنْ
خِلاَلِهَا السَّمَاءَ وَالنُّجُوم؟
رَدَّتْ
عَلَيْهَا أُمُّهَا:
سَتَكُون.
فَكَّرَتْ
سَلْوَى فِي صَدِيقَاتِهَا، بَنَاتِ الْجِيرَان، حَسْنَاءَ وَسَلِيمَةَ
وَبَهِيجَة، وَسَأَلَتْ نَفْسَهَا:
هَلْ
سَأَجِدُ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَوْفَ نَرْحَلُ إِلَيْهَا صَدِيقَاتٍ
مِنْ بَنَاتِ الْجِيرَان، مَا هِيَ أَسْمَاؤُهُنّ، وَهَلْ سَوفَ يَكُنَّ
مُخْلِصَاتٍ وَدُودَاتٍ كَحَسْنَاءَ وَسَلِيمَةَ وَبَهِيجَة؟
وَتَذَكَّرَتْ
زَمِيلاَتِهَا فِي الْمَدْرَسَة، سُعَادَ وَلُبْنَى وَرُقَيَّة، وَسَأَلَتْ
نَفْسَهَا:
وَهَلْ
سَأَجِدُ فِي الْمَدْرَسَةِ الَّتِي سَوْفَ أَلْتَحِقُ بِهَا زَمِيلاَتٍ
أُخْرَيَات؟ مَا هِيَ أَسْمَاؤُهُنّ، وَهَلْ سَوْفَ يَكُنَّ لَطِيفَاتٍ كَسُعَادَ
وَلُبْنَى وَرُقَيَّة؟
فِي
صَبَاحِ الْغَدِ ذَهَبَتْ سَلْوَى إِلَى مَدْرَسَتِهَا، فَكَانَتْ شَارِدَةَ
الخَاطِر، تَنْظُرُ إِلَى زَمِيلاَتِهَا نَظَرَاتٍ غَرِيبَةً وَهِيَ تُفَكِّرُ فِي
الْفِرَاق. لَمْ تُصَارِحْهُنَّ بِمَا يَدُورُ فِي خَاطِرِهَا، وَبَقِيَتْ لاَ
تَتَجَاوَبُ مَعَهُنَّ فِي الْحَدِيث. اِنْتَبَهَتِ الْبَنَاتُ إِلَى صَمْتِ
سَلْوَى وَشُرُودِهَا، وَسَأَلَتْهَا رُقَيَّة:
مَالَكِ
يَا سَلْوَى؟ هَلْ أَنْتِ مَرِيضَة؟
رَدَّتْ
سَلْوَى: لَسْتُ مَرِيضَة.
وَقَالَتْ
لَهَا لُبْنَى: شَيْءٌ مَّا بِكِ يَا
سَلْوَى.
لَمْ
تُفْصِحْ سَلْوَى لِزَمِيلاَتِهَا عَمَّا بِهَا، فَقَدْ كَانَتْ حَزِينَةً
لِفِرَاقِهِنّ.
عَادَ
وَالِدُ سَلْوَى مِنْ سَفَرِهِ فَأَخْبَرَ الْأُسْرَةَ بِأَنَّهُ قَدِ اكْتَرَى
(أجر) بَيْتًا فَسِيحًا يُوجَدُ فِي حَيٍّ هَادِئٍ قَرِيبٍ مِنْ مَقَرِّ عَمَلِهِ
الْجَدِيد، وَفِي الْحَيِّ مَدْرَسةٌ إِلَيْهَا سَوْفَ تَنْتَقِلُ سَلْوَى،
وَرَوْضٌ لِلْأَطْفَالِ إِلَيْهِ سَوْفَ يَنْتَقِلُ أَخَوَاهَا الصَّغِيرَان.
أَخَذَتْ
سَلْوَى تَتَخَيَّلُ الْبَيْتَ الْجَدِيد، وَالْحَيَّ الَّذِي يُوجَدُ فِيه،
وَالْمَدِينَةَ الَّتِي سَوْفَ يَرْحَلُونَ لِلْإِقَامَةِ فِيهَا. لاَحَظَ
وَالِدُهَا شُرُودَهَا، فَأَخَذَ يُحَدِّثُهَا عَنْ كُلِّ مَا أَرَادَتْ أَنْ
تَعْرِفَهُ عَنِ الْبَيْتِ وَالْحَيِّ وَالْمَدِينَة، وَوَعَدَهَا بِأَنْ تَجِدَ
زَمِيلاَتٍ لَطِيفَاتٍ فِي الْمَدْرَسَة، وَصَدِيِقَاتٍ لَطِيفَاتٍ مِنْ بَنَاتِ
الْجِيرَان.
لَمْ
تَذُقْ سَلْوَى مِنْ مَائِدَةِ الْعَشَاءِ طَعَامًا، وَعِنْدَمَا عَرَضَتْ
عَلَيْهَا أُمُّهَا تُفَّاحَة، قَضَمَتْ مِنْهَا قَضْمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ
تَرَكَتْهَا. كَانَ بَالُهَا مَشْغُولاً بِفِرَاقِ صَدِيقَاتِهَا وَزَمِيلاَتِهَا.
قَرَّرَتْ فِي الْغَدِ أَنْ تُوَدِّعَ مُعَلِّمَتَهَا وَزَمِيلاَتِهَا فِي
الْمَدْرَسَة. تَجَمَّعَتِ البناتُ حَوْلَ سَلْوَى مُوَدِّعَاتٍ، وَلَمَّا
اقْتَرَبَتْ سَلْوَى مِن مُعَلِّمَتِهَا تُوَدِّعُهَا قَالَتْ لَهَا الْمُعَلِّمَة:
لاَ
تَجْزَعِي يَا سَلْوَى. هَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ فِي حَيَاةِ النَّاس. يَجِبُ أَنْ
تَسْتَمِرِّي عَلَى جِدِّيَّتِكِ فِي الدِّرَاسَة، وَسَتَجِدِينَ مُعَلِّمَةً
أُخْرَى وَزَمِيلاَتِ أُخْرَيَات.
خَفَضَتْ
سَلْوَى رَأْسَهَا وَهِيَ تُصْغِي لِنَصِيحَةِ مُعَلِّمَتِهَا، وَشَكَرَتْهَا على
الجُهُودِ الَّتِي تَبْذُلُهَا مَعَ التَّلاَمِيذ.
بَعْدَ
ذَلِكَ قَصَدَتْ بَيْتَ صَدِيقَتِهَا حَسْنَاءَ فَوَجَدَتْ مَعَهَا بَهِيجَةَ
وَسَلِيمَة، وَأَخْبَرَتْهُمَا بِأَمْرِ رَحِيلِهَا مَعَ أُسْرَتِهَا. طَفَرَتِ
الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهَا وَمِنْ عُيُونِ صَدِيقَاتِهَا. أَخْرَجَتْ حَسْنَاءُ
مِنْ حَقِيبَتِهَا الْمَدْرَسِيَّةِ قَلَمًا جَمِيلاً وَقَدَّمَتْهُ هَدِيَّةً
لِسَلْوَى، وَأَخْرَجَتْ بَهِيجَةُ وَرَقَةً بَيْضَاءَ كَتَبَتْ عَلَيْهَا:
أُحِبـــُّكِ
يَا صَدِيقَتِي الْعــــَزِيزَةَ سَلــْوَى، وَلَنْ أَنْسَاكِ أَبَدًا.
ثُمَّ
قَدَّمَتِ الْوَرَقَةَ لِسَلْوَى. نَزَعَتْ سَلِيمَةُ شالاً كَانَتْ تُغَطِّي بِهِ
عُنُقَهَا وَقَدَّمَتْهُ تِذْكَارًا لِسَلْوَى. قُلْنَ لَهَا بِصَوْتٍ وَاحِد:
لَنْ
نَنْسَاكِ أَبَدًا.
تَبَادَلْنَ
عَنَاوِينَ بَرِيدِهِنَّ الإِلِكْتْرُونِي، وَتَوَاعَدْنَ عَلَى تَبَادُلِ
الرَّسَائِل، والْمُحَافَظَةِ عَلَى صَدَاقَتِهِنّ.
حَانَ
مَوْعِدُ الرَّحِيل، وَبَدَأَ وَالِدُ سَلْوَى وَأُمُّهَا يَجْمَعَانِ أَثَاثَ
الْبَيْت، بِمُسَاعَدَةِ أُنَاسٍ أَتَى بِهِمْ وَالِدُهَا.
نَظَرَتْ
سَلْوَى إِلَى قِطِّهَا أَنِيسٍ وَنَظَر الْقِطُّ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَالَ
بِنَظَرِهِ فِي الْمَكَانِ كَأَنَّهُ يُوَدِّعُه. قَدَّمَتْ أُمُّ سَلْوَى
لِسَلْوَى قِطْعَةَ ثَوْبِ وَطَلَبَتْ مِنْهَا أَنْ تُقَمِّطَ بِهَا الْقِطَّ
حَتَّى لاَ يَشْعُرَ بِالْبَرْدِ خِلاَلَ السَّفَر، وَأَنْ تُبْقِيَهُ فِي
حِجْرِهَا.
مَا
إن وَصَلُوا حَتَّى رَأَتْ سَلْوَى مَدِينَةً كَبِيرَةً مَيَادِينُهَا وَاسِعَةٌ
وَشَوَارِعُهَا طَوِيلَةٌ وَعِمَارَاتُهَا شَاهِقَةٌ مِنْ تَحْتِهَا الْمَتَاجِرُ وَالأَسْوَاق.
وَكَانَ الْحَيُّ الَّذِي قَطَنَتْهُ (سكنته) الأُسْرَةُ هَادِئًا بِهِ حَدِيقَةٌ
صَغِيرَةٌ تَحْتَوِي عَلَى أَرَاجِيحَ وسَلاَلِمَ يَلْهُو فَيهَا الْأَطْفَال.
كَمَا كَانَ الْبَيْتُ شُقَّةً فِي عِمَارَةٍ شَاهِقَةٍ يَصْعَدُ السُّكَّانُ
إِلَى طَوَابِقِهَا بِوَاسِطَةِ الْمَصْعَد.
بَعْدَ
أَيَّامٍ أَلِفَتْ سَلْوَى بَيْتَهُمُ الْجَدِيد، كَمَا أَلِفَتْ مَدْرَسَتَهَا
الْجَدِيدَةَ وَزَمِيلاَتِهَا الْجَدِيدَات. تَعَرَّفَتْ عَلَى جَارَاتٍ
صَغِيرَاتٍ هُنَّ مَرْيَمُ وَبُشْرَى وَنَعِيمَة، فَتَوَطَّدَتِ الصَّدَاقَةُ
بَيْنَهُنّ. لَكِنَّهَا لَمْ تَنْسَ صَدِيقَاتِهَا الْقَدِيمَات، فَأَرْسَلَتْ
بِالْبَرِيدِ الإِلِكْتْرُونِيِّ ثَلاَثَ رَسَائِلَ لِكُلٍّ مِنْ حَسْنَاءَ
وَبَهِيجَةَ وَسَلِيمَة، مُحَمَّلَةً بِأَشْوَاقِهَا إِلَيْهِنّ، كَمَا
أَخْبَرَتْهُنَّ بِكُلِّ شَيْءٍ عَنِ الْمَدِينَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ تَسْكُنُهَا
والْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ تَدْرُسُ فِيهَا، وسَرْعَانَ مَا جَاءَتْهَا
الْأَجْوِبَةُ مُحَمَّلَةً بِأَشْوَاقِ صَدِيقَاتِهَا إِلَيْهَا.
فَرِحَتْ
سَلْوَى بِصَدِيقَاتِهَا الْجَدِيدَات، لَكِنَّهَا لَمْ تَنْسَ صَدِيقَاتِهَا
الْقَدِيمَات، فَاسْتَمَرَّتْ رَسَائِلُ الْبَرِيدِ الإِلِكْتْرُونِيِّ بَيْنَهُنّ.
محمد
عزالدين التازي
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة للأطفال: عقد من قطرات المطر
قصة للأطفال: الساحرة وأخت الشمس
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق