الأم
هزَّتْ شجرةُ السنديانِ فروعَها المُورقةَ تغتسلُ بقطراتِ الندى التي تجمّعت فوقَ أوراقِها، سعيدة بإشراقِ يومٍ جديد، ورددَّتْ في نفسِها فرِحةً: يا له من صباحٍ جميل!
وما هي إلا لحظات، حتّى مرّ إلى جوارها العم وهدان، يجرّ بقرته خلفه، في طريقه إلى الحقل، ليزرع الأرض ويجني المحصول. ألقى العم وهدان بتحيّة الصباح على شجرة السنديان، فردّت مرحّبة به وهي تثني على عمله الذي يوفّر الطعام للإنسان والحيوان.
وما هي إلا لحظات حتى مرّ إحسان الخبّاز في طريقه إلى المخبز ليصنع الخبز، وبعده مرّ مروان البستانيّ في طريقه إلى البستان، ليقلّم الأشجار، ويعتني بالأزهار. ثم مرّ العمّال، والأطبّاء، والمدرسون والموظفون والباعة، كلٌّ في طريقه إلى عمله، والتلاميذ أيضا الى مدارسهم.
لكن، بعد لحظات فُوجِئت شجرة السنديان بالفلّاح عائداً من حقله، تعجّبت السنديانة متسائلة: إلى أين يا عم وهدان؟ مازال النهار في أوّله!
ابتسم العم وهدان قائلاً: معك حق... لكنّ أرضي طرحت ثمارها، فأردت أن أهدي أمّي بعض الثمار الطازجة.
وتركها مسرعاً، ليعطي الثمار الشهيّة لأمه، ويعود إلى حقله من جديد.
بعدها رأت إحسان الخبّاز عائداً من مخبزه، يحمل رغيفاً طازجاً في يده، وعندما سألته عن سبب عودته، قالَ: صنعت رغيفاً ساخناً لأمّي، لتتناول إفطارها!
وحين سألَتْ البستانيّ الذي حمل باقة من الزهور بين يديه، أجابها: سأعطيها لأمي، فقد أعطتني كلّ شيء ولم تبخل عليّ قط، ولم أجد أجمل من هذه الزهور لأهديها لأمّي في يوم الأمّ.
هذا هو السبب إذاً! هكذا قالت شجرة السنديان لنفسها، وهي ترى الكبار والصغار يحملون الهدايا إلى أمّهاتهم عرفاناً بفضلهنّ وتقديراً لهنّ في يوم الأم.
لكنّها عادت وفكّرت وسألت نفسها: وأين أمّي؟!
وشعرت بغصّة في قلبها، وظلّت تتطلّع بأسى إلى الهدايا والزهور التي حملها الأولاد والبنات لأمّهاتهم، وهم عائدون من مدارسهم، وتردّد في نفسها: لابدّ أنّ لي أمّاً وأنا لا أعرف؟!
تطلّعت إلى سحابة في السماء، وقالت: أنتِ أمي. نعم فهي لا تبخل عليّ بماء المطر لأغسل أوراقي وفروعي.
لكنّ السحابة فرّت مبتعدة، وهي تقول: لا... لا... لستُ أمّك. أنا مجرّد سحابة عابرة في السماء!
حزنت السنديانة الصغيرة أكثر.
وحين غربت الشمس عاد غراب عجوز اعتاد كلّ يوم أن ينام على أفرع السنديانة الصغيرة.
قالت السنديانة: حقّاً! كيف لم ألاحظ أن الغراب الطّيب يعود كلّ يوم في المساء، لينام في أحضان فروعي ويطمئنّ على حالي! لم يكن ليفعل ذلك إلّا لأنّه أمّي!
ثمّ قالت بلهفة واشتياق: أنتَ أمي!
تعجّب الغراب من كلام السنديانة، قائلاً وهو يقاومُ النومَ: لا... لا... أنا غراب ذكر، وأبٌ لِقطيع من الغربان لا يكفّون عن الضجيج، لذا تركت لهم شجرتهم وجئت هنا لأنام فوق فروعك الهادئة! ابحثي عن أمٍّ بعيداً عنّي.
في هذه اللحظة هزّت شجرة السنديان فروعها غاضبة، فحلّق الغراب عالياً حتى لا يسقط على الأرض. ثم نظرت شجرة السنديان إلى الأرض تحتها، وقالت: حقاً... كيف لم تخطر على بالي من قبل، لا بد أن الأرض أمّي، فهي تحتضن جذوري وتغذّيها، وحافظت عليها حتى صرتُ قوية قادرة على حماية نفسي!
نعم أنتِ أمّي. قالت شجرة السنديان وهي تنظر بامتنان إلى الأرض تحت ساقها.
لكنّ الأرض الحنونة ربّتَت على شجرة السنديان، وقالت: كثير من المخلوقات ينادونني: أمّنا الأرض. فأنا بمثابة أمّ للجميع. لكنّ الأمّ الحقيقية لا مثيل لها، ولا يقدر أحد على تضحياتها من أجل صغارها. وإذا كان لك أمّ فلا بدّ أنّها البذرة التي سقطت هنا في مكانك ذات يوم، وظلّت تحتمي بي وتشرب من ماء السحابة الطيّبة حتى نبتَت ورقاتك الخضراء الصغيرة، ونبتَت شُعَيْرات أصبحت جذورك التي ظلّت تمتدّ وتمتدّ وأنت تكبرين يوماً بعد يوم. لا يوجد أحد على استعداد للتضحية بحياته من أجل حياة صغاره أكثر من الأمهات.
كانت شجرة السنديان تستمع إلى الأرض بإِنصات، بينما قطرات من الدموع تتساقط من أوراقها، وتتطلّع إلى يوم تنبت فيه ثمارها بالبذور التي ستصبح يوماً أشجار سنديان صغيرة تظلّل الأطفال بفروعها وأوراقها الخضراء الجميلة.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة للأطفال: الفلاح والشمس والحقل
قصة للأطفال: السلحفاة الثرثارة والحكيم
قصة للأطفال: خدعة زهور المارجاريتا
قصة للأطفال: حوار بين الشمس وأشعتها
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق