يُحكى أن السبع، ملك
الوحوش، أدركته الشيخوخة، فغشّى بصره وشحّ نظره. فقبع في عرينه، رهن وساوسه
وشجونه، فأقبل الثعلب يزوره وأقعى قرب الباب مترحرحاً غير هيّاب، ومدّ حديثاً، قال:
- قالت الحكماء:
"إذا شحّت الأبصار، عليكم بلحم الحمار! إنه يجلب العافية، ويُنير الأعين
الغاشية، ويشدّد الركب المتراخية". وقد عاينت في طريقي إليكم الآن، حماراً
سميناً متعافياً، يرعى في مكان قريب، فإن راق لكم الأمر رافقتكم إليه، فتنعمون
بقلبه ولسانه ودماغه، وهي خلاصة الخلاصات لإطالة الحياة، وتتركون الفضلات لعبدكم
الثعلب، تعويضاً لي عن إخلاصي لكم في أحرج الأوقات.
فلملم السبع ما تبقى من عزيمته ونهض ومشى
إلى جانب الثعلب الذي راح يتملّق: "سلامة نظرك سيدي السبع! أنا فداك سيدي
السبع! حيّاك الله وبياك يا ملك الوحوش!".
وعندما وصلا إلى حيث كان الحمار، تبرع
الثعلب بالنصيحة إلى السبع، قال: "من الحكمة أن تأتيه من الوراء، فتأخذه على
حين غفلة".
لكن الحمار، هذه المرة، لم يكن غافلاً،
فتناول السبع برفسةٍ على صدغه، وأخرى تحت أذنه، فترنّح الأسد وسقط على الأرض
مغشيّاً عليه. وعندما بدأ يستعيد أنفاسه، سمع الثعلب يقول: "صباح الخير يا
سيدي الحمار!... لا شُلَت يمينك يا ابن أتان!... أيّد الله عزّك ايها الجحش العظيم،
يا صاحب الصوت الرخيم، والعقل السليم، والظهر القويم، والذيل الطويل
المستقيم"!.
فانتفض السبع، وصاح: "وما هذا التبجيل
والتفخيم".
أجاب الثعلب: "الناس مع الواقف،
إلى أن تنجلي المواقف"!.
فصار جواب الثعلب من الأقوال المأثورة،
إلى يومنا هذا.
المصدر:
كتاب "حكي قرايا وحكي سرايا" للمؤلف "سلام الراسي".
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق