في سنة 1951، قامت امرأة
أمريكية من أصول إفريقية، فقيرة وأم لخمسة أطفال تدعى (هينريتا لاكس) بإنقاذ
العالم دون حتى أن تدري ذلك، كانت السيدة (لاكس) قد قصدت مستشفى (جونز هوبكينز) من
أجل أن يفحصها الأطباء بعد أن كانت قد لاحظت وجود كتلة غريبة بالقرب من عنق الرحم
لديها.
قام طبيبها بأخذ خزعة
وبعد وقت ما أبلغها متأسفاً بأن ما كانت تعانيه في الواقع هو سرطان الرحم، وأن تلك
الكتلة الغريبة كانت عبارة عن ورم. كان علاج السرطان في خمسينيات القرن العشرين
بدائياً جداً.
عندما أخذ وضع (لاكس) يسوء، لاحظ طبيبها
أمراً غريباً بينما كان يدرس عينة النسيج التي أخذها منها؛ كانت الخلايا في
العينات التي جمعها من مرضى آخرين تموت بسرعة كبيرة لدرجة لم يكن قادراً على
دراستها، لكن خلايا (لاكس) استمرت في الانقسام والتضاعف بوتيرة غير اعتيادية.
للأسف الشديد، كانت هذه الظاهرة الخارقة
للعادة تعني في نفس الوقت أن الخلايا السرطانية لديها كانت تتضاعف وتنقسم بسرعة
كبيرة مما يجعل علاجها مستحيلاً، وبعد سبعة أشهر من دخولها المستشفى، توفيت
(هينريتا لاكس).
غير أن خلايا (هينريتا) استمرت على قيد
الحياة حتى بعد وفاتها، ومما أثار صدمة كل الأطباء في مستشفى (جونز هوبكينز)، أن
قتل خلايا (لاكس) بدا أمراً مستحيلاً، فقد كانت تنمو وتتضاعف بوتيرة غير مسبوقة.
قام الأطباء بإرسال عينات إلى أطباء
وعلماء في الطب في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، الذين طلبوها من أجل مراجعتها، والكل
كان متشوقاً لمعرفة كيف لها أن تخدم أبحاثه التي كان يقوم بها. واحد من هؤلاء
العلماء كان (جوناس سالك) الذي استخدمها من أجل تطوير لقاح شلل الأطفال.
باستعمال خلايا (هينريتا لاكس)، تم تحقيق
عشرات الإنجازات الكبيرة في عالم الطب، ومن بينها كانت لقاحات شلل الأطفال وفيروس
الورم الحليمي البشري، وفيروس (زيكا) في مراحله الأولية، و«مشروع الجينوم البشري»
الذي تمكن العلماء من خلاله من إنشاء خريطة مفصلة عن الجينوم البشري، والعديد من
الاكتشافات حول شيخوخة الخلايا، وهكذا خُلق ميدانٌ جديد كلياً في عالم الطب وهو
«علم الأمراض».
لم تكن (هينريتا لاكس) لتعلم أبدا أنها
كانت ستساهم بشكل كبير جداً في تقدم علم الطب، حيث كانت عينات من خلاياها تؤخذ
ويتم توزيعها بدون علمها وبدون علم عائلتها، وهي الممارسة التي كانت شائعة آنذاك
والتي تسببت في انتشار عدة تساؤلات أخلاقية حول ما قامت به المختبرات آنذاك.
على الرغم من أن عدم اليقين الأخلاقي الذي
يحيط بالقضية كان قد أسدل عليها ظلالاً من الشكوك، فيبقى من دون شك استحقاق
(هينريتا) لمكان خاص بها بين هذه القائمة القصيرة للأبطال الحقيقيين الذين أنقذوا
العالم.
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق