كانت إسرائيل قد سيطرت
على شبه جزيرة سيناء في مصر في حرب الستة أيام التي اندلعت في سنة 1967، كانت
القوات المصرية والإسرائيلية تراقب بعضها البعض على كلا ضفتي قناة السويس الضيقة،
ونشبت بينهما مناوشات واشتباكات عسكرية بين الفينة والأخرى على مر سنوات، تضمنت
تبادل القذائف، وغارات فرق الكوماندو، والغارات الجوية، وفي تلك الأثناء، كانت مصر
تعيد بناء جيشها، وتدريبه وتجهيزه من أجل حرب قادمة وفاصلة ستردّ لها الاعتبار.
قبل موعد الهجوم بزمن
طويل، بدأ الرئيس المصري أنور السادات يؤدي مناورات عسكرية كبيرة في جوار قناة
السويس، وكان يهدف من ورائها إلى تعويد الإسرائيليين على التواجد العسكري الكبير
المصري في المنطقة بالقرب من سيناء، لذا حين يأتي زمن الهجوم الفعلي، تنطلي عليهم
الحيلة ويعتقدونه مجرد تدريب ومناورة أخرى في المنطقة.
لجهلهم التام بنوايا المصريين من وراء كل
تلك العمليات، كان الإسرائيليون بحلول نصف سنة 1973 —من خلال عميل في الموساد
متوغل بعمق في الحكومة المصرية— قد علموا بشأن مخطط مصر في الهجوم على منطقة
سيناء، غير أن ما لم يكونوا على علم به هو زمن وقوع هذا الهجوم.
كانت معرفة زمن وقوع الهجوم مهمة جداً
بالنسبة لإسرائيل، حيث أن تعداد سكانها كان قليلاً مما جعل تعداد جيشها قليلاً
أيضاً، ولم تكن قادرة على تحمل تكاليف حشد مئات الآلالف من الجنود الاحتياطيين
وتوزيعهم في نقاط مضادة للمواقع المصرية في المنطقة لأجلٍ مفتوح. بدل ذلك، كان
النظام الإسرائيلي يتمحور حول فرض تواجد عسكري صغير نسبياً في المنطقة مع حشدٍ
سريع وكبير للقوات الاحتياطية المدنية في حالة الخطر، غير أن عمليات الحشد هذه لم
تكن رخيصة ولا هيّنة، كما كان من المستحيل ترك الأعداد الهائلة من المدنيين
المجندين الاحتياطيين في زيهم العسكري هناك لمدة طويلة بعيداً عن وظائفهم اليومية
التي يقوم عليها اقتصاد البلد.
لعب المصريون على هذا الوتر بالضبط،
وراحوا يخدعون الإسرائيليين على مدى أشهر قبل الهجوم الفعلي لحملهم على الاعتقاد
بأن الهجوم كان حقيقياً في كل مرة، ليتبين لاحقاً أنه كان مجرد تدريب لا أكثر،
فجعلت هذه الحيلة الإسرائيليين يعلنون حالة طوارئ استعجالية مفاجئة ومكلفة جداً
حشدوا على إثرها كل القوات الاحتياطية، فتبين للمرة الأولى أنه كان إنذاراً خاطئاً،
مما جعلهم يترددون في إعلان حالة الطوارئ للمرات القادمة في الأشهر اللاحقة عندما
بدأ الجانب المصري التحضير للهجوم الفعلي.
قبيل أسبوع من موعد الهجوم الفعلي، قاد
المصريون مناورات عسكرية ثقيلة جداً بالقرب من قناة السويس، وخلالها جنّدوا القوات
الاحتياطية في الجيش، غير أن الاستخبارات الإسرائيلية اعتبرت الأمر مجرد تمرين
عسكري آخر، ومن أجل تضليل عدوهم أكثر فأكثر، قبل يومين من الهجوم، أعلن المصريون
عن تسريح القوات الاحتياطية التي تم استدعاؤها للتمارين العسكرية.
نادت بعض الأصوات داخل جهاز الاستخبارات
الإسرائيلي بأن هذه علامة تدل على هجوم فعلي، غير أنه تم تجاهلها، ومنه عندما شرع
المصريون في هجومهم الفعلي عبر قناة السويس في السادس من أكتوبر 1973، وجدت القوات
الإسرائيلية نفسها محاصرة فارتبكت لكونها أُخذت على حين غرة، وعانت من خسائر فادحة
بينما تمت هزيمة مواقعها المتقدمة في سيناء بسهولة تامة، وأمّن المصريون لأنفسهم
موطأ قدم ثابت في الجانب الشرقي من القناة.
على الرغم من أن إسرائيل تمكنّت في نهاية
المطاف في هذه الحرب من إعادة استجماع قواها ومحاصرة القوات المصرية بعد أشهر
لاحقة، فإن مباغتتها من طرف القوات المصرية كانت نتيجة مباشرة لخدعة عسكرية ظلت
القوات المصرية تحيكها لمدة أشهر سابقة.
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق