في فجر الحرب العالمية
الثانية في سنة 1939، أرسل الرئيس الروسي آنذاك "جوزيف ستالين" حوالي
نصف مليون جندي لغزو دولة فنلندا، وفي خاتمة مثيرة للدهشة خرجت دولة فنلندا
الصغيرة آنذاك -مقارنة بحجم دولة روسيا- منتصرة في حرب الشتاء هذه، وهذا كان بدون
شك بفضل مزارع صغير تحول فيما بعد إلى قناص فتاك عرف باسم "سيمو هايها".
لم يكن "سيمو هايها"
رجلاً مخيفاً، بأن أنه كان بعيداً حتى عن كونه في متوسط حجم الرجال العاديين، فلم
يتجاوز طوله 152.4 سنتمتراً، غير أنه كان دائماً ما يُساء تقديره، وهو الأمر الذي
جعل منه أكثر من مناسب لعمليات القنص.
خدم "سيمو هايها" في الجيش مدة
سنة كاملة قبل أن يعود إلى مزرعته ليعيش حياة المزارع الهادئة التي ألِفها، تم
استدعاء "هايها" للجيش مرة أخرى، وقبل الالتحاق أخرج سلاحه القديم
المفضل من مخبئه، وكان سلاحه هذا عبارة عن بندقية روسية الصنع من طراز قديم، غير
مجهزة بعدسات تكبير.
لدى الالتحاق بصفوف الجيش الفنلندي أُعطي "هايها"،
على غرار جميع رفاقه في الجيش، بزة تمويه بيضاء اللون تماماً، وهو ما كان ضرورياً
جداً للاندماج مع الخلفية الثلجية للمنطقة، وبمجرد التجهز بمعداتهم الضرورية
وبذلات التمويه البيضاء، أصبح بإمكان الجنود الفنلنديين الاندماج بسهولة مع المنظر
الطبيعي للمنطقة التي كانت تسودها الثلوج دون أي عناء.
متسلحا ببندقيته القديمة المفضلة وبعض
الذخيرة، عمد "هايها" إلى العمل وحيداً مثلما كان يفضل، فتزود بمؤونة
يوم واحد من الغذاء والماء، وتسلل خلسة إلى داخل الغابة، وبمجرد أن وجد نقطة تسمح
له برؤية شاملة للمنطقة، استلقى أرضاً بين كتل الثلوج منتظراً قدوم الجنود الروس
ناحيته، وهو الأمر الذي قاموا به بالفعل...
خلال المدة التي استغرقتها "حرب
الشتاء"، التي دامت حوالي 100 يوم، تمكن "هايها" من قتل بين 500
إلى 542 جندياً روسياً، وكل ذلك تمكن من القيام به بواسطة بندقيته القديمة تلك.
وبينما كان رفاقه في الجيش الفنلندي
يستعملون بنادق حديثة مزودة بعدسات تكبير حديثة تخولهم من التركيز أكثر على
أهدافهم، كان "هايها" يخوض حربه الخاصة بواسطة بندقيته القديمة المفضلة
متسلحاً فقط بنظره الثاقب، وهو الأمر الذي كان يشعر بأنه يخوله من التركيز بشكل
أفضل من استعمال عدسات التكبير.
كما كان قد لاحظ أنه بالنسبة للعديد من
أهدافه التي نجح في إصابتها كان السبب الرئيسي وراء انكشاف مواقعها له هو انعكاس
ضوء الشمس على عدسات التكبير التي كانت مجهزة بها بنادقها، وهو الأمر الذي كان ليفضل
تجنبه كذلك.
خلال تلك الحرب، تمكن "هايها"
من تطوير طريقة تمكنه تقريباً من جعل نفسه متخفياً بشكل كلي، وجعلت رصده أو رؤيته
من طرف جنود العدو أمراً مستحيلاً، فإلى جانب بزة التمويه البيضاء التي كان
يرتديها؛ كان "هايها" يجمع كتلا من الثلج ويضعها حول موقعه حتى يتخفى
بشكل أكبر، كما كان يستعمل تلك الكتل الثلجية كركيزة يثبت بها بندقيته، والتي كانت
تساهم كذلك في عدم السماح لندفات الثلج بالتناثر نتيجة ارتداد البندقية لدى إطلاق
النار منها.
وعندما كان يستلقي في موقعه منتظراً مرور
عساكر العدو، كان يضع قطعاً من الثلج في فمه حتى يوقف خروج البخار الناتج عن تنفسه
منه، وبذلك ابتكر طريقة أخرى يتجنب من خلالها الكشف عن موقعه.
خلال تلك الحرب، ذاع صيت "هايها"
بين جنود الروس الذين لقبوه بـ"الموت الأبيض"، حيث كان يستحيل رصد ورؤية
هذا القناص صغير الحجم عندما يتخذ موقعه بين كتل الثلج، وعندما سمعت القيادة
العليا للجيش الفنلندي بخبر "هايها" وإنجازاته في تلك الحرب، منحته
جائزة تتمثل في بندقية قنص جديدة كلياً مصممة وفقاً لتفضيلاته الشخصية.
لسوء الحظ، وقبل أحد عشر يوماً من انتهاء
حرب الشتاء، تعرض "سيمو" أخيراً لطلق ناري، حيث كان أحد الجنود الروس قد
رصد موقعه وأطلق عليه رصاصة أصابته في فكه، مما أدخله في حالة غيبوبة دامت أحد عشر
يوماً، ولم يستفق من تلك الغيبوبة إلا بعد أن وقع الطرفان المتنازعان اتفاقيات
السلام، واستفاق مع نصف وجهه مفقوداً.
إلا أن تلك الإصابة لم تثنيه عن المضي في
حياته بشكل طبيعي، وعلى الرغم من أن فترة التعافي استغرقت منه وقتاً طويلاً -بضعة
سنوات- إلا أنه تعافى منها تماماً وعاش ليصل لعمر الستة وتسعين سنة.
استمر "هايها" بعد انتهاء الحرب
في استعمال مهاراته في القنص ببندقيته المفضلة، وأصبح أفضل صائد غزلان في المنطقة،
حتى أنه كان يخرج بصحبة الرئيس الفنلندي "أورهو كيكونان" في كل رحلات
الصيد التي ينظمها.
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق