زَعَموا أنَّ حَمامَةً
كانت تُفرِخُ في رأسِ نَخلَةٍ طويلَةٍ ذاهِبَةٍ في السَّماءِ. فكانتِ الحمامَةُ
إذا شَرَعَت في نَقلِ العُشِّ إلى رأسِ تلك النَّخلَةِ لا يُمكِنُها ذلك إلاَّ
بعدَ شِدَّةٍ وتَعَبٍ ومَشَقَّةٍ لطولِ النَّخلَةِ وسُمقِها. وكانت إذا فَرَغَتْ
مِنَ النَّقلِ باضَتْ ثم حَضَنَتْ بَيضَها، فإذا انقاض وأدرَكَ فِراخُها جاءَها
ثَعلَبٌ قد تَعَهَّدَ ذلك منها لوقتٍ قد عَلِمَهُ رَيثَما يَنهَضُ فِراخُها،
فوَقَفَ بأصلِ النَّخلَةِ فصاحَ بها وتَوَعَّدَها أن يَرقي إليها أو تَلقِيَ إليه
فِراخَها فتُلقيها إليه.
فبينما هي ذاتَ يومٍ وقد
أدرَكَ لها فَرخانِ إذ أقبَلَ مالكٌ الحَزينُ فَوقَعَ على النَّخلَةِ. فلمَّا رأي
الحمامَةَ كئيبَةً حَزينةً شديدَةَ الهَمِّ قالَ لها: يا حمامَةُ ما لي أراكِ
كاسِفَةَ البالِ سَيِّئَةَ الحالِ؟
فقالت له: يا مالِكُ الحَزينُ إنَّ
ثَعلَبًا دُهيتُ به كلَّما كانَ لي فَرخانِ جاءَني يَتَهَدَّدُني ويَصيحُ في أصلِ
النَّخلَةِ فأفرَقُ منه فأطرَحُ إليه فَرخَيَّ.
قالَ لها مالِكٌ الحَزينُ: إذا أتاكِ
ليَفعَلَ ما تَقولينَ فقولي له: لا أُلقي إليكَ فَرخَيَّ فارقَ إلَيَّ وغرِّرْ
بنفسِكَ. فإذا فَعَلتَ ذلك وأكلتَ فَرخَيَّ طِرتُ عنكَ ونَجَوتُ بنفسي.
فلمَّا عَلَّمَها مالِكٌ الحَزينُ هذه
الحيلَة طارَ فوَقَعَ على شاطِئِ نَهرٍ. وأقبَلَ الثَّعلَبُ في الوقتِ الذي
عَرَفَ، فوَقَفَ تحت النَّخلَةِ ثم صاحَ كما كانَ يَفعَلُ، فأجابَتهُ الحمامَةُ
بما عَلَّمَها مالِكٌ الحَزينُ، فقالَ لها: أخبِريني مَن عَلَّمَكِ هذا؟ قالت:
عَلَّمَني مالِكٌ الحَزينُ.
فَتَوجَّهَ الثَّعلَبُ حتى أتى مالِكًا
الحَزينَ على شاطِئِ النَّهرِ فوَجَدَهُ واقِفًا. فقالَ له الثَّعلَبُ: يا مالِكُ
الحَزينُ إذا أتَتكَ الرّيحُ عن يَمينِكَ فأينَ تَجعَلُ رأسَكَ؟ قالَ: عن شِمالي.
قالَ: فإذا أتَتكَ عن شِمالِكَ أينَ تَجعَلُ رأسَكَ؟ قالَ: أجعَلُهُ عن يَميني أو
خَلفي. قالَ: فإذا أتَتكَ الرّيحُ من كلِّ مكانٍ وكلِّ ناحيةٍ أينَ تَجعَلُهُ؟
قالَ: أجعَلُهُ تحت جَناحَيَّ. قالَ: وكيفَ تَستَطيعُ أن تَجعَلَهُ تحت جَناحَيكَ؟
ما أراهُ يَتَهَيَّأُ لك. قالَ: بلى. قالَ: فأرِني كيفَ تَصنَعُ فلَعَمري يا
مَعشَرَ الطَّيرِ لقد فَضَّلَكُمُ اللهُ علينا. إنَّكُنَّ تَدرينَ في ساعَةٍ
واحدَةٍ مثلَ ما نَدري في سَنَةٍ. وتَبلُغنَ ما لا نَبلُغُ وتُدخِلنَ رؤؤسَكُنَّ
تحتَ أجنِحَتِكُنَّ مِنَ البَردِ والرّيحِ. فهَنيئًا لَكُنَّ. فأرِني كيفَ
تَصنَعُ.
فأدخَلَ الطَّائِرُ رأسَهُ تحت جناحَيهِ.
فَوثَبَ عليه الثَّعلَبُ مكانَهُ فأخَذَهُ فهَمَزَهُ هَمزَةً دَقَّ بها عُنُقَهُ.
ثم قالَ:
يا عَدُوَّ نفسِهِ تَرَى الرأيَ للحَمامةِ
وتُعَلِّمُها الحيلَةَ لنفسِها وتَعجِزُ عن ذلك لنفسِكَ حتى يَتَمَكَّنَ منكَ
عَدُوُّكَ! ثم قَتَلَهُ وأكَلَهُ.
المصدر:
كتاب كليلة ودمنة
مواضيع
تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص
للأطفال وحكايات معبّرة
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق