كان معن بن زائدة من رجال الدولة الأموية، وكان مشهوراً
بين الناس لجوده وسعة حلمه، يقول معن ابن زائدة: ألحّ الخليفة أبو جعفر في طلبي، وجعل
لمن يحملني اليه مبلغاً من المال، فاضطررت لشدة الإلحاح بالطلب أن تعرّضتُ للشمس
حتى لوحّت وجهي، فلبست جُبَّة صوفٍ وركبتُ جملاً وخرجت متوجها إلى البادية لأقيم
بها.
فلما خرجتُ من باب حربٍ وهو أحد أبواب بغداد تبعني عبدٌ
أسود متقلد بسيفه فقبض على خطام الجمل فأناخه وقبض على يدي. فقلت له: مابك؟ فقال
أنت مطلوبٌ لأمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى أُطلب؟ فقال: أنت معن بن زائدة: فقلت
له: ياهذا اتقّ الله أين أنا من معن! فقال: دع هذا فوالله إني لأَعرَفُ بك منك،
فلما رأيت منه الجد في الحديث قلت هذا جوهرٌ قد حملته ويساوي أضعاف ما وهبه
المنصور لمن يجيئه بي، فخذه ولا تكن سبباً في سفك دمي فأخذه ونظر فيه وقال: صدقت
في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن أمرٍ فإن أصدقتني القول أطلقتك، فقلت: تكلم قال:
إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله؟ قلت لا قال: فنصفه أو ثلثه
قلت: لا حتى بلغ العشر فاستحيت وقلت: أظن أني فعلت هذا.
فأجاب:
وماذاك بعظيم وأنا والله راجل ورزقي من أبي جعفر المنصور عشرين درهماً كل شهر،
وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين
الناس، ولتعلم أن في هذه الدنيا من أجود منك، فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كل
جود فعلته ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى العقد وولّى منصرفاً فقلت: ياهذا والله لقد
كشفت أمري ولسفك دمي أهون عليّ مما فعلت، فخذ ما دفعته لك فإني غني عنه، فضحك
العبد وقال: أردت أن تكذبني في مقالي فوالله لن آخذه ولا آخذ لمعروف ثمناً أبداً،
ومضى لسبيله، وبعدها طلبته بعد أن أمنت وبذلك لمن يجئ به ماشاء، فما عرفتُ له خبراً
وكأن الأرض ابتلعته.
مواضيع
تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص
للأطفال وحكايات معبّرة
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق