قال أبو القاسم بن مُفَرِّج: كنت في بعض الأيام عندَ
الفقيه أبي إبراهيم في مجلسهِ بالمسجد في قُرطبة، ومجلسهُ حافلٌ بجماعة الطلبة،
إذْ دخلَ عليه خصيّ من أصحاب الرسائل (أي من رُسل الحاكم) جاء من عند الخليفة
الحَكم ابن الناصر. فوقف وسلّم وقال له: أجِبْ أميرَ المؤمنين، فَهوَ قاعدٌ
ينتظِرُك، وقد أُمرتُ بإعجالك فالله الله (أي قُم وعَجِّل).
فقال أبو إبراهيم: سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين، ولا
عَجَلَة. فارجِع إليه وعرِّفه أنّكَ وجدتَني مع طُلابِ العلم، وليس يمكنُني تَرْكُ
ما أنا فيه حتى يَتمَّ المجلس فأمضي إليه.
فانصرفَ
الخصيّ وهو يُتَمتِم متضاجراً بكلامٍ لم نسمعهُ. فما مضت ساعة حتى رأيناهُ قد عاد
فقال للفقيه: أنهيتُ قولك إلى أمير المؤمنين، وهو يقول لك: "جزاك الله
خيرًا عن الدين وجماعة المسلمين وأمتعهم بك. وإذا أنت فرغتَ فامض إليه."
قال
أبو إبراهيم: حسن. ولكني أَضْعُفُ عن المشي إلى باب السُّدّة، ويصعب عليّ ركوب
دابّة لشيخوختي وضعف أعضائي. وبابُ الصناعة هو من بين أبواب القصر أقربها من
مكاننا هذا. فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بفتحه لأدخل منه هوّن عليّ المشي.
فمضى
الفتى ثم رجع بعد حين وقال: قد أجابك أمير المؤمنين إلى ما سألت، وأمر بفتح باب
الصناعة، وأمرني أن أبقى معك حتى ينقضي الدرس وتمضي معي. وجلس الخصي جانباً حتى
أكملَ أبو إبراهيم مجلسه بأكمل ما جرت به عادته ودونَ قلق. فلما انفضضنا عنه قام
إلى داره فأصلح من شأنه ثم مضى إلى الخليفة الحكم.
قال
ابن مفرّج: ولقد تعمّدنا إثر قيامنا عن الشيخ أبي إبراهيم المرور بباب الصناعة
فوجدناه مفتوحـاً وقد حفَّه الخدمُ والأعوان متأهبين لاستقبال أبي إبراهيم، فاشتدّ
عجبنا لذلك وقلنا: هكذا يكون العلماء مع الملوك والملوك مع العلماء، قدّس الله
تلك الأرواح.
مواضيع
تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص
للأطفال وحكايات معبّرة
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق