اسمه
علي.. شاءت الأقدار أن نلتقي به في سوق البازار في وسط مدينة "أنطاليا"
في تركيا في أوّل يوم في رحلتنا. حينها كانت السماء تنثر حبيبات المطر في كل
مكان، والناس لا تتوقف حركتهم في جميع الاتجاهات، واللغة لا نفهم منها إلا بعض
الكلمات، فلم يبق لنا إلا أن نتواصل معهم بلغة الإشارة...
أحسسنا
بضجر شديد يلامسنا فوقفنا نساوم التجار الأتراك في السوق على قِطع الملابس
الشتوية، تارة بلهجتنا العاميّة، وتارة أخرى بالإنجليزية، وظلّ أحدهم يحاول
إفهامنا بأرقام يكتبها على شاشة الآلة الحاسبة الصغيرة حتّى سمعنا صوت صبيٍّ
يتدخّل بأدبٍ فيه من الخجل، يحمل في يده كيساً بلاستيكيّاً مملوءًا بمحارم ورقية،
يبدو عليه أنه بلغ العاشرة من عمره، تقدم منا وسألنا جميعاً بنبرة سوريّةٍ: "بدكُنْ
أساعدكُنْ؟"
-من أي بلدٍ أنت أيها
الفتى؟
-آني من سوريا، من مدينة
حلب...
-وماذا تفعل هنا؟
-آني عم بشتغل وببيع
المحارم منشان أساعد أمّي. أبي وأخي الكبير ضربتهم طيارة، ونحنا هربنا مع إمي
وجينا لهون، وآني عم بساعد إمي منشان نربي خواتي.
كانت الكلمات تخرج من
حلقه بصعوبة بالغة.. دموعه المغلفة بانفعالات عنيفة امتزجت مع حبيبات المطر. لم
تسعفه وأهله دعوات المصلين في المعابد ولا ابتهالات المؤمنين في الليالي والأسحار.
ذكّرني هذا الصبيّ بحديث جدّتي التي كانت تردّده وتقول في إشارة منها لجيران لها
فقدوا والدهم في مجزرة دمويّة رهيبة: "حين يبكي يتيم، يهتزّ له عرش الرّحمن".
وكنتُ أتساءلُ: "أيّ وجود هذا الذي يبكي فيه آلاف الأيتام ثم يُشيح القوم "الكرام"
وحرّاس الصحاري وجوههم عنهم"؟ ألا شاهت تلك الوجوه المتفحّمة! ربّتُّ على
كتفه ومسحت رأسه بكفي اليمنى بتواضعٍ ثمّ ناولته عشرين ليرة تركيّة. أمّا رفاقي
الذين شاركونا في الحديث بفتور ناولوه مثل ما ناولته وتابعوا سيرهم. قلت في نفسي: "ما
طعم العيش حين يفقد الإنسان والده ثمّ يعيش مشرّدًا في وطن لا يعدل وطنه؟"
نعمان
عبد القادر
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق