المرقّش
الأكبر هو عمرو أو عوف بن سعد بن مالك، المنتهي نسبه إلى بكر بن وائل، سُمِّيَ
المرقّش لبيت شعر قال فيه:
"والدار
وحش والرسوم كما رقّش في ظهر الأديم قلم"
عاش
في العصر الجاهلي، وجمع بين الفروسية والشعر.
نشأ
بصحبة أسماء، ابنة عمه، في جو البادية، بين رعيٍ وزرعٍ وعواطف تتسلل إلى قلبيهما،
مبهمة في البداية، ثم واضحة جليّة، ثم جارفة، تشدّ كلاً منهما إلى الآخر وتدفعه
دفعاً نحوه.
ولما بلغ مبلغ الرجال،
طلب يد أسماء من عمّه، لكن الرجل راوغه، ولم يجبه إلى طلبه إلا بشرط أن يصبح له
شأن بين القوم وثروة، ووعده أن يحفظ له ابنته حتى يحقّق ما سأله.
ورغم
ضيق المرقّش بطلب عمه، لأنه يحتاج وقتاً، وهو لا يكاد يصبر على فراق فتاته، بدأ
التحرك فوراً، وقصد بعض ملوك اليمن، يمدحهم، لينال منهم العطايا والشرف.
وفي
غيابه، أصابت شِدّةٌ عمَّه، حتى مكث في داره يكاد أهله يموتون جوعاً، رغم مكانته
وحظوته، ظهر رجل من بني مراد، علم بحاله، وكان قد لمح أسماء فتعلّق بها قلبه، فعرض
عليه مئة ناقة مهراً لها.
يتنكّر
عوف لابن أخيه، وينسى وعده له، ولا يتذكر إلا ما يمرّ به، فيرحِّب بالرجل، ويزفّ
إليه أسماء وهي كارهة، وينتقل الزوجان إلى نجران.
وكان
المرقّش في دنيا أخرى، يحارب ويجاهد كي يصنع من نفسه الرجل الذي تستحقه محبوبته،
ويملأ عيني أبيها، فيقبل به، ويحقق له حلم حياته.
وبعد
شبعه، يدرك أبو أسماء ما فعل، ويخشى ابن أخيه الذي سيعود بالمال والمجد ذات يوم،
ويطالبه بالوفاء له بعهده، ولعلّه إن أدرك أنه فَقَد كل ما كافح من أجله، جنّ،
وتصرف على غير توقع، فذبح كبشاً، ودفن عظامه في قبر، واتفق مع عشيرته على الادّعاء
أنه قبر أسماء، التي أصيبت بمرض أودى بحياتها.
ويعود
المرقش في مالِه وأبّهته، لينال الجائزة التي ستبرّر كل ما عانى منه، فإذا به
يُصدم بالخبر المهول، فينهار تماماً، وأمام قبرها المزعوم، أقام المرقّش، يحدّق في
الشاهد، وهو يكاد يجن، يخاطب ساكنه، ويلوم حظّه، ويندم على مفارقة محبوبته، ولو
كان بُعده من أجل القُرب في النهاية.
تمضي
الأيام، والمرقّش يكاد لا يغادر مكانه، بعد أن عافت نفسه الطعام والشراب والمجد
والفروسية، ولم يعد له أمل في الحياة يشحذ عزيمته، أو يدفعه لتحريك عضلة واحدة في
جسمه.
وفي
يوم، والمرقّش مُختفٍ تحت ثوب قديم، يغطّي جسمه الذي نحل، جوار القبر، سمع صبياً
يقول لصاحبه: هذا كعبي، منحوه لي من الكبش الذي دفنوه في هذا القبر، وقالوا إنه
قبر أسماء.
لكن
بالقرب من ديار محبوبته، مرض المرقّش، وتمرّد عليه جسمه، فنزل الثلاثة كهفاً
وأقاموا به أياماً، وحالة المرقش تسوء أكثر، حتى أوشك على الموت، وهو لا ينفك يذكر
أسماء، كلما فتح عينيه وأصاب بعض الوعي.
وقرّر
الأجيران فجأة ترك المرقش في محنته، إذ يئسا من شفائه، فغادراه، وبقي أسير المرض
والوحدة. لكنه تحامل على نفسه، وزحف حتى باب الكهف، بينما اقتربت أغنام ترعى منه،
ولمحه الراعي، فذهب إليه، وواساه، وقد رأى الموت في عينيه. قص عليه المرقّش
حكايته، واكتشف أنه يعمل لدى زوج أسماء، فجرت الدماء بعروقه، وطلب من الرجل خدمة
أخيرة. منحه خاتمه، وطلب منه أن يضعه في إناء لبن أسماء.
أشفق
الراعي عليه، ولم يرَ بأساً من تلبية أمنية رجل يُحتضر، ففعل ما طلبه، عن طريق
جارية أسماء. وعندما وجدت أسماء الخاتم في إنائها، عرفته، وطلبت زوجها، وطلبت منه
إحضار راعي الغنم، فلما حضر، أخبرها بالأمر، فبكت حتى كادت روحها تزهق، وأقسمت على
زوجها أن يحملها للكهف، ففعل. وأخيراً اتصلت عينا المرقش مرة أخرى بعيني أسماء،
فجن جنونه، وهاجت مشاعره، وأحس أن لو كانت هذه مكافأة عمره الذي ضاع، وسنينه التي
تفلتت من بين يديه، لكان رابحاً.
وحملته
أسماء وزوجها إلى دارهما، لكن القدر قال كلمته، فمات العاشق المتيّم في بيت
محبوبته، وقد كان يتمنّى أن يحيا فيه، ودُفن في بلدها، فحقّق بالموت ما تمناه من
قرب في الحياة لم ينله.
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق