الصفحات

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

• الحفيدة تعلم جدها الكمبيوتر


الحفيدة تقول: "جدي تلميذ صغير"
أحب جدي. إنه عجوز ولذيذ. أشعر بحبه لي. فهو يضمني إلى صدره في حنان. يضع يده على هذا الخد وأخرى على ذاك الخد. ثم يستمر يضمني إلى صدره إلى أن أقول له" كفى يا جدي".

شعر رأسه أبيض وقليل. لديه صلعة ملساء. أتذكر أنني عندما كنت صغيرة كنت أضع يدي عليها وأجدها ناعمة فأستمر أتحسسها وهو يستمر يضحك ويطالبني بأن أحاول إحصاء عدد شعرات رأسه.
يأخذني للتنزه معه. نسير معًا. يمسك بيدي وأمسك بيده. وطوال النزهة يسألني ماذا تريدين أن أشتري لك، حلوى أم لعبة؟. اختاري ما تريدين. يشتري لي كل ما أطلب ثم يقبلني قبلة على هذا الخد وأخرى على ذاك.
أستريح معه وأحب أن أجلس إليه لأنه لا يوجه إلى الأوامر التي أتلقاها من أبي وأمي.
نسيت أن أذكر أن جدي يقرأ كثيرًا، كذلك يكتب كثيرًا. يقرأ الكتب الكبيرة التي لا أفهمها، ويكتب مقالات في الصحف والمجلات. وهي موضوعات لا أفهمها. وعادة ما تنشر صوره مع المقالات التي ينشرها.
عنده مكتبة كبيرة جدًا. تضم كتبًا كثيرة وتضم كذلك كل الكتب التي كتبها. لم أستطع فهم ما بها. حاولت مرارًا أن أقرأها، لكني وجدتها مجرد كلمات وسطور وصفحات كثيرة. لم أجد فيها صورة واحدة أو خريطة. في إحدى المرات وجدته جالسًا على مقعده الكبير. جريت إليه وجلست على ساقيه وطلبت منه أن يعلمني قراءة كتبه. قام إلى المكتبة وأحضر واحدًا منها. ثم بدأ يختار بعض الجمل ويقرؤها علي. لم أفهم معناها. بكيت. ضمني إلى صدره وقال: "عندما تكبرين ستفهمين هذه الكلمات والسطور والصفحات. وربما تكتبين أفضل منها".
سألته عما يكتب في هذه الكتب التي تحمل اسمه وصورته قال : أكتب عن القصص والشعر والمسرح والكتابات التي تتناول تاريخ هذه الموضوعات، وأنقذها.
أحسست أن جدي كبير، كبير جدًا، وأنا صغيرة، صغيرة جدًا.
أنا الآن في نهاية المرحلة الابتدائية. بدأت في تعلم استعمال الكمبيوتر. وأخبرت جدي. طلب مني الكراسات والكتب التي نتعلمها في الفصل. أحضرتها له. تصفحها وسألني عنها. شرحتها له، سألني مرة ثانية عن نفس الشيء. فهمت أنه لم يفهم جيدًا.
بعد فترة اصطحبني إلى مكتب أحد أصدقائه وطلب مني أن أريه كيف أعمل على الكمبيوتر. جلست وعملت. سألني عن أشياء. شرحتها له. ضمني إلى صدره ووضع قبلة على هذا الخد وأخرى على ذاك.
ضحكت وسألته : هل تعلمني الأدب مقابل أن أعلمك الكمبيوتر؟. ضحك وقال : "يا شيطانة".
..هي
الجد يقول: "شيطانة هذه الحفيدة!"
كم من مرات ضممتها إلى صدري وقبلتها على خديها. وكم من مرات تركت لها حرية اختيار ما تريد مني أن أشتري لها. والآن تنظر إلي الحفيدة الذكية متباهية بما تعلمته وبما لم أتعلمه وبما لا أعرفه وربما لا أستطيع أن أعرفه.
إنها أول أحفادي. من وجهة نظري فهي جميلة جدًا ولطيفة جدًا وفي غاية الذكاء. عندما أضمهاإلى صدري أشعر أنني أحتضن الحياة كلها. أحب أن أخرج معها للتنزه. أحاول دائما أن ألبي طلباتها. أشعر بحبها لي. فهي تهرع إلي دائمًا. صارخة "جدي..جدي". لا أستطيع أن يمضي يوم دون أن أراها أو أسأل عنها. لحسن الحظ أن والدها يسكن في مكان قريب منها.
كنت أستاذًا للأدب الحديث في كلية الآداب. تركت العمل في الجامعة بعد وصولي إلى سن المعاش. كنت حينذاك عميدًا للكلية. خلال فترة عملي الطويلة بالجامعة وخلال فترة انخراطي في الحياة الأدبية والثقافية، أصدرت ما يزيد على العشرين كتابًا.
طبعا لدي مكتبة كبيرة تضم أمهات الثقافة والأدب. ومازلت إلى يومنا هذا أقرأ وأتابع الكتابة وإصدار المؤلفات. كما أنني أعمل كأستاذ غير متفرغ في كلية الآداب.
مع كل ذلك، فإن أمتع ساعات حياتي هي تلك التي أقضيها مع أول أحفادي.. مها الجميلة الذكية كم من مرات تركت لها صلعتي لتعبث بها. وكم من مرات غنيت معها وحكيت لها القصص البسيطة التي علقت بذاكرتي أو تلك التي ألفتها خصيصًا من أجلها.
تأتي إلي دائمًا في غرفة مكتبي في المنزل وتسأل "هل تذاكر الآن، وماذا تذاكر؟ تتصور أني أذاكر دروسًا كما تفعل هي. وعندما علمت أنني أكتب كتبًا ومقالات طلبت قراءتها.. ولم تفهم.. بكت يومها. فأخذتها إلى صدري وقلت لها "عندما تكبرين ستكتبين أفضل منها وستفهمين الأصعب منها".
عندما كبرت وتقدمت في المرحلة الابتدائية، بدأت تتعلم قواعد نظرية عن الكمبيوتر. ثم بدأت تعمل عليه في إحدى قاعات المدرسة. جاءت تشرح لي ما تعلمته. لم أفهم ماذا تقول. طلبت منها الكتب والكراسات. تصفحتها. شعرت بأن علمًا جديدًا يؤسس وأني بحكم سني بعيد عنه.
اصطحبتها إلى مكتب أحد الأصدقاء وجعلتها تعمل عليه أمامي. فعلت.
فرحت بها وأخذتها بين ذراعي وقبلتها كالعادة..قبلة على هذا الخد وأخرى على ذاك.
لمحت ذكاءها وإذا بها تسألني إذا علمتك الكمبيوتر هل تعلمني الأدب؟ يبدو أن الشيطانة تعلم أنها ستستطيع في المستقبل استيعاب كل الفنون والعلوم.. أما أنا.. فلن أتمكن من هذا الجهاز تمكنها منه.
 تابعونا على الفيس بوك
إقرأ أيضًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق